الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014




نموذج تخطيطي لكتابة السيناريو:

يعتمد كاتب السيناريو على مجموعة من الخطوات الإجرائية التي توصله إلى إمكانية صناعة فيلم سينمائي.
وتتمثل هذه الخطوات في رسم خطة هندسية أو خطة سردية وصفية مرقمة للجمل السردية واللقطات الفيلمية من أجل صناعة الفيلم تستلزم جميع المبادئ والقواعد التي تبني عليها الحبكة السردية ومقومات الصورة السينمائية.
وإليكم مجموعة من الخطوات التي توضح طريقة كتابة السيناريو في صورته التوضيحية التبسيطية:

*
تحديد عنوان السيناريو بشكل واضح وهادف وبطريقة فنية ممتعة جذابة؛
*
تبيان تيمته الكبرى وفكرته المحورية.
*
كتابة السينوبسيس أو ملخص السيناريو.
*
تخيل الجنيريك مسبقا قصد الاسترشاد به.

*
تصميم الحبكة السردية باحترام الخطوات الثلاث:
عرض المشكلة.
 تعقيد المشكلة.
 إيجاد حل للمشكلة.
*
تقطيع القصة إلى صور متحركة فيلمية في شكل لقطات ومشاهد ومقاطع وبكرات.
*
مراعاة الاقتصاد والتوازن و التوقيت في عملية تقطيع الصور المتحركة وتركيبها.
*
تحديد المناظر والأمكنة التي سيجري فيها التصوير حسب كل مشهد
( أمكنة داخلية أو أمكنة خارجية إما عامة وإما خاصة).

*
ضبط زاوية الرؤية ( رؤية عادية أفقية، ورؤية علوية، ورؤية سفلية).
*
تبيان سلم اللقطة ( صورة كلية، وصورة متوسطة، وصورة قريبة، وصورة قريبة متوسطة، وصورة مكبرة…).
*
التأشير على حركية الكاميرا( كاميرا ثابتة، وكاميرا يدوية، وكاميرا دائرية، وكاميرا علوية، وكاميرا مرتفعة، وكاميرا العربة، وكاميرا الزرافة، وكاميرا تراڤلينگ…).
*
تعيين الشخصيات التي تنجز الأحداث من خلال مواصفات معينة ومحددة بدقة.
*
تشغيل المؤثرات الصوتية والموسيقية ( الصوت، والضجيج، والصمت، والموسيقا، والموسيقا التصويرية).
*
تصوير الديكور والإكسسوارات.
*
كتابة الحوارات البسيطة العادية المقتضبة.
*
تحديد مدة كل لقطة ومشهد ومقطع وبكرة في انسجام متوازن مع مدة الفيلم (90 دقيقة أو 120 دقيقة).
*
كتابة 120 مشهدا على النحو التالي: 30 مشهدا للبداية، و60 مشهدا للعرض أو العقدة، و30 مشهدا للنهاية.
*
تخصيص نصف ساعة للبداية والنهاية، وساعة كاملة للعقدة.
*
جدولة السيناريو على الورق بشكل هندسي مخطط مع مراعاة جميع المكونات التي ذكرناها سالفا لحاجة المخرج والمصور والممثل إلى نسخة من السيناريو من أجل فهم الحبكة السردية في جميع جوانبها وتمثل العمل جيدا على ضوء عناصرها البارزة.


الخاتمـــــة:
يتبين لنا من هذا العرض الوجيز أن كتابة السيناريو عملية صعبة وشاقة تتطلب جهدا كبيرا بالمقارنة مع كتابة المسرحية والرواية والقصة؛ لأن السيناريو يستلزم من كاتبه أن يكون محترفا متمرسا وعارفا بتقنيات السينما، وأن يكون مطلعا على آليات صناعة الفيلم وخفاياها وأسرارها وخدعها. هذا، وتكون علاقة السيناريست وطيدة مع المنتج والمخرج والمصور والممثل، فهو الذي يسهل عملية الإخراج والتصوير ويساعد الممثل على أداء دوره وتشخيصه أحسن تشخيص. ومن هنا، فكاتب السيناريو يعد في مجال الصناعة الفنية والفيلمية بمثابة مهندس للبناء السينمائي.

وإذا انتقلنا إلى السينما العربية بصفة عامة والسينما المغربية بصفة خاصة فمشكلتها الحقيقية كمشكلة المسرح تكمن في قلة النصوص أو قلة السيناريوهات التي تتطلب من كتابها الإبداع والصبر في الإنتاج والتخطيط الجيد والاطلاع الكافي على خصوصيات الميدان السينمائي. لذا، نجد في المغرب المخرجين السينمائيين هم الذين يتولون مهمة كتابة السيناريو.

ومن هنا أقترح أن تؤسس معاهد خاصة لتدريس السيناريو أو تنشأ مسالك وشعب لدراسة هذه المادة في كليات الآداب والفنون الجميلة من أجل إثراء السينما العربية والسير بها نحو الأمام. وبالتالي، سيتفرغ المخرج لعمله الفني ويتفرغ كل عضو لعمله الخاص، ونترك كتابة السيناريو للسيناريست، والحوار للمتخصص في الحوار، والإخراج للمخرج، والمونتاج للمونتير، و التصوير للمصور....
و بالله التوفيق




آليات وتقنيات كتابة السيناريو:
يستحضر السيناريست أثناء كتابة السيناريو جميع التقنيات والآليات التي تستعمل في تحضير وصناعة الفيلم.
لذا لابد أن يكتب السيناريو في شكل لقطات مختصرة واضحة هادفة محددة، ثم تدمج في شكل مشاهد ومقاطع وبكرات قصد الحصول على الفيلم.
ومن المعروف أن الفيلم يصور على شريط من عرض 35 ملم، وطول يبلغ 2كلم 462 م و40 سم.، وهو مصنوع من مادة السيلولويد المرنة الكثيرة المقاومة.
 ويتكون الشريط من لفيف الصور المتحركة الذي يوجد إلى جانبيه : شريط الصوت وشريط الموسيقا. كما يضم الشريط الفيلمي 129600 صورة، أما حجم الفيلم فهو0.14 ملم.


ويستحسن أن يكون كاتب السيناريو على علم بسلم اللقطات الذي يتنوع إلى الأنواع التالية:
* اللقطة العامة: تلتقط فيها لقطة عامة وكلية لمجال ما سواء أكان ديكورا أم فضاء أم منظرا عاما، ويمكن أن نشاهد فيه مجموعة من الأشخاص. أي إن اللقطة العامة هي التي تنقل لنا الجو العام والفضاء الكلي الذي ستجري فيه الأحداث.
* اللقطة المتوسطة: تصور الشخصيات بشكل كلي داخل ديكور معين.
* اللقطة الأمريكية: تعمد إلى تصوير الشخصية من الرأس حتى الركبة وخاصة في أفلام رعاة البقر أثناء لحظات المقاتلة والصراع.
* اللقطة الإيطالية: تظهر لنا هذه اللقطة الشخصية من أعلى الرأس إلى ما تحت الركبتين (أي نصف الساق).
* اللقطة القريبة: تلتقط صورة الشخصية أو الشيء بشكل مقرب حيث يحدد الوجه أو الذراع أو اليد بطريقة مقربة واضحة.
* اللقطة الكبرى: تلغي هذه اللقطة المساحة والبعد وتلتقط شيئا مكبرا واحدا.
* اللقطة الكبيرة جدا: تلتقط الأشياء وأجزاء من الشخصية بشكل مفصل كبير بطريقة “الزوم” Zoom، فتكبر العينان أو يكبر الفم مثلا.

ومن الأفضل أيضا أن يلم كاتب السيناريو بالتأطيرCadrage وزوايا الرؤية التي تنقسم إلى زاوية الرؤية المحايدة العادية، وزاوية الرؤية من أعلى إلى الأسفل التي توحي في بعدها السيميولوجي بالانكسار والسقوط والهبوط والتردي والانحدار؛ لأن هذه الزاوية تهدف إلى تقليص أو تصغير الشخصية أو الشيء .
وتتم هذه العملية عن طريق وضع الكاميرا في مكان مرتفع علوي أثناء التقاط هذا النوع من الصور. أما زاوية الرؤية من الأسفل إلى الأعلى، فتوحي دلاليا بالاستعلاء والتفوق والقوة والسيطرة، وترمي إلى تكبير صورة الشيء الملتقط أو صورة الشخصية المصورة. وتكون الكاميرا في هذا الصدد في الأسفل موجهة بطريقة علوية إلى الموضوع المصور.


وتشكل الرؤية من زاوية علوية أو سفلية لقطات محدودة لايتم اللجوء إليها إلا بصفة نادرة، خاصة إذا ماكانت تضفي على المشهد خاصية جمالية، أو كانت في مجال يصعب التحكم فيه نظرا لصعوبة تضاريسه مثلا، فغالبا ما يستعان بالطائرة مثلا للحصول على لقطات من زاوية عمودية، هي في الواقع نوع آخر من اللقطات المرفوعة، إذ إن الطائرة العمودية يمكن أن تتحرك مثل الرافعة بكل اتجاه تقريبا عندما يستحيل استخدام الرافعة، ويحدث ذلك اعتياديا في المواقع الخارجية، حيث إن اللقطة الجوية يمكن أن تعطينا التأثير نفسه. يمكن أن تكون لقطة الطائرة العمودية كثيرة الترف بالطبع، ولهذا السبب فهي تستخدم قليلا للإيحاء بإحساس شاعري وإحساس جارف بالحرية. تتدخل زوايا الرؤية هنا مع حركات الكاميرا مما يبين أن العمل السينمائي أو التقنيات السينمائية، بصفة شاملة، تسعى إلى تكميل بعضها البعض. إن تحديد وضبط زوايا الرؤية أصبح يتم بشكل دقيق. ففي هوليود مثلا، يمجد مديرو التصوير الصورة عن طريق دراسة زوايا التقاطها، والعمل على مستوى الإنارة. تكتسي زاوية الصورة أهمية بالغة في التعبير، لذلك، فالتقنيون المعاصرون يولونها عناية خاصة أثناء وضع التقطيع التقني لأفلامهم.”.

ومن جانب آخر، يستحب لكاتب السيناريو أن يعرف حركات الكاميرا ليعرف طرائق التشخيص والتمثيل وزوايا النظر. ومن ثم، فالكاميرا قد تكون ثابتة المدار( الحركة البانورامية السريعة) أو دائرية أو متحركة أو مرتفعة ككاميرا الزرافة التي تتخذ اتجاهات متنوعة أثناء التقاط صور السهرة والحفلات الغنائية . ويمكن الحديث عن كاميرا يدوية تحمل على الكتف، وكاميرا التراڤلينگ Travelling و الكاميرا الثابتة واستعمال عربة Chariot الموضوعة فوق السكة Rails والكاميرا المحمولة بواسطة السيارة وكاميرا الزوم Zoom .
وتقوم الإضاءة بدور هام في تشكيل الفيلم السينمائي، لذا لابد من الإشارة إليها في السيناريو: هل هي إضاءة خافتة توحي بالهدوء والصمت والمواقف الرومانسية أم هي إضاءة ساطعة قوية توحي بالعجب أو الخوف؟

ويشمل السيناريو كذلك الجانب الصوتي الذي يتمثل في الضجة والموسيقا والصمت والصوت. ومن وظائف الضجة حسب صلاح أبو سيف:” الربط…فالمشاهد يمكن أن تقطع في لقطات مختلفة ولكن الصوت يربط بينهما. فبينما نستطيع أن ننقل عيوننا بين أشياء مختلفة فإن آذاننا تسمع نفس الصوت. وإذا كانت عدسة التصوير تقوم بدور التقطيع فإن الميكروفون يقوم بدور الربط.

مثلا: في مخزن خياط نستطيع أن نصور عشر لقطات. وكل لقطة تصور شيئا مختلفا ولكن صوت ماكينة الخياطة يستمر، كما أن الحوار وسيلة ممتازة من وسائل الربط. وبغض النظر عن الممثلين الذين يظهرون فإن الحوار لا ينقطع. ولا يوجد مونتير مجرب ينتقل من لقطة إلى أخرى حين ينتهي الحوار. فلابد أن يضع نهاية الكلام على صورة شخص آخر. لأنه إذا لم يفعل ذلك كان يعرقل الحركة. كما أنه يعلم أيضا أن من الخطر تغيير اللقطات خلال الصمت.
وشريط السيلولويد الذي يحمل الصور يمكن تقطيعه وتغييره بحرية ، ولكن يجب معالجة شريط الصوت بدقة لأنه شريط مستمر.”.13

ويمكن للموسيقا التصويرية أن تكون مستقلة يضعها الموسيقار بعد استكمال السيناريو والفيلم على حد سواء ، فتوضع الموسيقا إما في الجنيريك وإما داخل الفيلم وإما في نهايته. ولابد أن تكون هذه الموسيقا التصويرية وظيفية وهادفة ومعبرة لتجذب انتباه السامعين وتشنف آذانهم. ويمكن خلق نص موسيقي جديد يوضع في البداية أو حسب الفصول أو يشتغل الكاتب أو المخرج أو الملحن على نص موسيقي موجود أصلا. ويقول صلاح أبو سيف في هذا الصدد:” الموسيقا التصويرية جزء لايتجزأ من شريط الصوت ولكنها ليست جزء ا من القصة. ودليل ذلك أن مؤلفي الموسيقا لا يستشارون عند كتابة السيناريو. فالفيلم يقدم إليهم كاملا ويطلب إليهم تأليف موسيقا تناسب القصة وإن كانوا لا يرضون بهذا الوضع دائما.

والمتفرج العادي يستوعب الموسيقا التصويرية لا شعوريا. ويندر أن ينتبه إلى ما يسمعه، بل إنه قد لا يتذكر بعد خروجه من السينما اللحن الأساسي أو الرئيسي ما لم يكن أحد الممثلين قد غنى هذا اللحن في أغنيته. كما حدث حين استعملت أغنية” بتلوموني ليه” في فيلم لعيد الحليم حافظ يغني فيه نفس الأغنية ، ومع ذلك فالموسيقا التصويرية تشترك اشتراكا أساسيا في تقديم القصة وبالرغم من أنه يقدر أن يلتفت المتفرج إلى وجودها ولكنها إذا افتقدت شعر بغيابها بشكل ملحوظ.”14

وهناك تقنيات ينبغي أن يستخدمها كاتب السيناريو كالتركيب والتوليف وانتقاء المعلومات وتقسيمها والازدواج والتكرار والتنسيق والتكبير والتكوين والاتساق والانسجام والتحكم في المعلومات وتشابك الصور مع المكونات التقنية الأخرى وتوظيف الصور السينمائية البلاغية كالاستعارات والتشابيه وصور المقابلة والتضاد. فمثلا:حينما تلتقط صورة أمواج البحر وهي تتحرك من اليمين نحو اليسار، في نفس الوقت تلتقط صورة المتفرجين وهم يشجعون فريقهم متحركين يمنة ويسرة، أو تنقل صورة صقر أسود في نفس الوقت الذي تلتقط فيه صورة جنازة.

وعليه فوسائل التعبير:” التي يملكها القصاص أسهل بكثير. أما المؤلف السينمائي فإنه يصطدم بعدة عقبات ترجع إلى لغة السينما، فعليه أن يبحث دائما عن تجميعات جديدة ليعبر عن حدوث تطورات في قصته. وهو لايستطيع أن يصل إلى هدفه إلا إذا استغل وسائل التعبير إلى أقصى درجة ممكنة.
ويجب ألا ننسى أن السينما تتطلب قصة أغنى وأكمل وأكثر تنوعا من المسرحية. ولا نقصد بهذا المضمون بل مقدار المعلومات التي يجب أن تعطي منها. ففي القصة السينمائية حوادث أكثر، خطوط فرعية وأماكن أكثر وشخصيات أكثر، ولكي نحقق هذه الاحتياجات لابد لنا أن تعطي مزيدا من المعلومات وليس للسينما وسائل سهلة أو مباشرة للتعبير إذا استثنينا الحوار.”
15
ونصل بعد هذا إلى أن كتابة السيناريو تستوجب عناصر مستقلة على مستوى الكتابة السينمائية (لقطة ومشهد ومقطع وبكرة…)، وعناصر متداخلة ومتراكبة (التركيب والتوازن والتركيب والتنسيق…) تساهم كلها في خلق نص حركي ذي نسيج فني متشابك يحقق للفيلم جودته وروعته الفنية والتقنية.






خطوات كتابة السيناريو:

قبل الانطلاق في كتابة السيناريو لابد من بلورة فكرة درامية صالحة للتشخيص والتمثيل السينمائي وتشكيلها في تيمة محورية مثل: الصراع بين الحب والكراهية. وبعد ذلك يلتجئ كاتب السيناريو إلى كتابة ملخص أو سينوبسيس Synopsis في صفحة إلى ثلاث صفحات. ومن خلال فكرة السيناريو، يمكن الحديث إما عن سيناريو أصيل وإما عن سيناريو مقتبس. وبعد ذلك يطوع السيناريست ما يكتبه من حوارات وحبكة سردية حسب إيقاع الشريط ( السيلولويد) وطول الفيلم ومدة عرضه في قاعة السينما.
 ويبدأ الكاتب في تحديد الجمل السينمائية أو اللقطات التي تتغير بتوقف الكاميرا، لينتقل بعد ذلك إلى ترقيم المشاهد التي تتغير بتغير الزمان والمكان والشخصيات.

وهناك من الكتاب من يراعي أثناء كتابة حوارات السيناريو مستلزمات التصوير والإخراج السينمائي، إذ يحدد المناظر والإكسسوارات وطبيعة الكاميرا وزوايا التأطير وسلم اللقطات وطبيعة الصوت والمؤثرات الموسيقية والتأشير على مدة اللقطة والمشهد والمقطع والبكرة طوال الفصول الثلاثة.

وقد قلنا سابقا: إن كاتب السيناريو لابد أن يعالج قصته الحركية معالجة درامية، حيث يطرح في الفصل الأول القضية أو المشكل، وفي الفصل الثاني يعقد الأمور والأحداث ليبلغ عبرها التعاقب السردي مداه الدرامي بطريقة جدلية تصاعدية، ليخف الصراع الجدلي في الفصل الأخير بإيجاد الحل أو نهاية للمشكلة.

وغالبا ما يستفتح السيناريو أو الفيلم بالجنيريك الذي يحدد عنوان الفيلم ويذكر جميع المشاركين الذين ساهموا في إنجازه وتحقيقه . وبعد ذلك ينبغي أن تكون الافتتاحية السينمائية جذابة مشوقة، يعقبها الصراع الجدلي الذي قد يكون شخصيا أو ثنائيا أو جماعيا، مقبولا ومؤثرا وهادفا وممتعا، لينتهي السيناريو أو الفيلم بنهاية إما مغلقة يقدم فيها حل المشكلة وإما منفتحة تترك المتفرج يتخيل الصور ويخمن الافتراضات الممكنة ويستشرف الأحداث المستقبلية ويتلذذ بخلقها وتصويرها وتخمينها.

ومن هنا، لابد أن يكون السيناريست ملما بالكتابة السردية القصصية أو الروائية أو المسرحية، وأن يلم كذلك بفن التشكيل البصري؛ لأن هناك من يرفق حوارات السيناريو بالصور التشكيلية البصرية أو بلقطات الكاميرا. كما عليه أن يكون ملما بتقنيات التصوير وأنواع الكاميرا وطرائق الإخراج وعمليات التقطيع والتركيب ( المونتاج)، فضلا عن تمكنه من لسانيات التصويت والاطلاع على أنواع الموسيقا.

وينبغي أن نعرف أن السيناريو الجيد قد يعطينا فيلما جيدا أو رديئا، بينما السيناريو الرديء لا يعطينا إلا فيلما رديئا. لذا، يعد السيناريست والمخرج من أهم الدعائم الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم الناجح.
هذا، وقد ذكر السيناريست الفرنسي المحترف جان فيري في حوار أجراه معه الأديب فرانك أو طيرو مؤلف كتاب” أحب السينما” الذي صدر سنة 1962م خطوات كتابة السيناريو قائلا:” إن أول عمل يقوم به حين يكلف بالكتابة هو إيجاد خط تتعلق به حوادث الفيلم والعمل على كتابة ملخص أو معالجة درامية تشكل فكرة عامة للموضوع، ثم بعد ذلك ينتقل إلى كتابة التتابع أي خلق سلسلة متتالية من المشاهد تجسد ماروي في القصة، وفي هذه المرحلة تبرز الشخصيات بوضوح وهي تتحرك وتتطور تطورا دراميا ، ثم تلي بعد ذلك مرحلة الحوار الذي يدور بين شخصيات القصة”.

ويعني هذا أن السيناريو يستند إلى إيجاد فكرة سينمائية عامة، وتوضيحها في ملخص عام، واللجوء إلى التعاقب وتتابع الصور التي توضح العقدة في اتساقها وانبنائها وتوازنها وتسلسلها، وكتابة الحوارات على ألسنة الشخصيات. ولكن لابد من تخطيط هندسي سينمائي وتقني لكل تمفصلات الحبكة مرسومة على الورق سيساعد المصور والمخرج والموسيقي على تنفيذ الفيلم وخلقه في أحسن صورة وأبهى حلة.
أما السينوبسيس Synopsis فيلخص لنا كل مراحل السيناريو، ويعرض غالبا في قاعة العرض أمام الجمهور إما في شكل ملخص مثبت في جنيريك الملصق، وإما في شكل صور منتقاة بدقة تبين مسار الفيلم حركيا وجدليا.

ومن المعروف أيضا أن” نسخة السيناريو تصحب مدير التصوير ومساعده، والممثلين في قراءة أدوارهم، كما أنها تشكل مرجعا أساسيا خلال عملية التوليف للحسم في اختيار أهم اللقطات من بين اختيارات أخرى. عدو السيناريو وبالتالي الفيلم، هو السرعة في المعالجة، وإغفال التفاصيل. ولعل نجاح الأفلام الأجنبية، بالإضافة لحسن أداء الممثلين والإمكانيات المادية، يتجلى في تركيز السينمائيين كتابا وتقنيين، ومخرجين على كل الجزئيات. وتجد أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة، هي التي تعطي للفيلم، في نهاية المطاف، تميزه ونكهته الخاصة. لذلك بفضل التأني في عملية ترقيم المشاهد، وتركها لآخر لحظة حتى يحس الكاتب أنه قد استنفذ كل مايريد بسطه، وحسم الأمر لصالح اختيار ما، لأن عملية تأليف المشاهد معقدة ومتداخلة، كما أنها متسلسلة. ومن الطبيعي أن تقفز لذهنه أشياء وتفاصيل، ربما تغافل عنها، أو أحب إضافتها. لذا يفضل أن يترك السيناريو لمدة ما فوق الرف، يتبادر خلالها لذهن الكاتب تنويعات ورتوشات قد تزيد من جمالية لقطة، من مصداقية حركة أو مبررات نظرة.”.

وينبغي التنبيه إلى أن كتابة السيناريو لابد أن يخضع للتوقيت كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فالمرحلة الأولى يخصص لها نصف ساعة، بينما مرحلة الصراع الأساسية يخصص لها ساعة كاملة، أما حل المشكل فيخصص له نصف ساعة كالمقدمة الافتتاحية. ويساهم هذا التقسيم في خلق التوازن وانسجام الإيقاع الهرموني للفيلم السينمائي.

ولابد عند كتابة التصوير أن يركز الكاتب على كل ماهو ممكن وكائن وأن يبتعد عن المستحيل والخارق ، و يراعي الإمكانيات المادية والمالية والبشرية، وألا يكلف المنتج ما لايطاق، وإلا سيحكم على مشروعه الفكري والفني بالفشل مسبقا.

ومن الأفضل لكاتب السيناريو من تكثيف الأحداث والابتعاد عن الوظائف الثانوية أو المجانية، ويترك التفاصيل ويقلل قدر الإمكان من الأماكن التصويرية الخارجية، ويتجنب استعمال المخترعات التقنية الحديثة الباهظة الثمن كاستخدام الدبابات والطائرات وتصوير المعارك الحربية. أي على كاتب السيناريو” أن يتذكر دائما حجم الإمكانيات التقنية والمالية لتحويل مشروعه لفيلم. كما يحاول قدر الإمكان التقليل من الانتقال من مكان إلى آخر نظرا للمصاريف التي يكلفها ذلك، مع الإمكانات التقنية والفنية التي يفرضها التصوير في مكان مظلم أو يصعب الوصول له. فلا يمكن مثلا، رصد ميزانية تصوير مشاهد من الخيال العلمي حيث الصحون الطائرة أو الطائرات المقنبلة. لاحاجة للقول: إن الفيلم الجيد يبدأ مع السيناريو الجيد، إلا أن طريقة الإخراج هي المحك النهائي، والفيصل القاطع في تدارك أخطاء الكتابة، وإضفاء مسحة إبداعية على ماكتب على الورق. غير أن هناك من التفاصيل في بناء القصة، ومواصلة التشويق، وضبط خيوط التطور الدرامي. كل يفضل أن يكون مقيدا على الورق. ومهما حاول المخرج أن يرقع ويخيط ما أمكن، فللسيناريو الكلمة الفصل.”.

زد على ذلك لابد أن تكون الحوارات مقتضبة بعيدة عن التخييل الإنشائي واستعمال البيان البلاغي الطويل المسهب. فلابد من استخدام لغة تواصلية واقعية واضحة كما اللغة التي نستعملها في الواقع اليومي بكل حمولاتها الأخلاقية أو القدحية، بشكلها المتكامل أو بشكلها المتقطع أو الغامض المبهم . أي لغة يتكلمها المجتمع ويستعملها الناس العاديون في خطاباتهم التداولية بدون بلاغة زخرفية ولافصاحة متصنعة. كما يشترط في الحوار أن يكون محدودا مختصرا مكثفا قابلا للتشخيص منطوقا أو مشخصا حركيا. ويدخل الحوار” ضمن خانة الصوت الذي يشمل كل مايسمع على الشاشة، بدءا من أبسط صوت، إلى الموسيقا التصويرية، ثم ضجيج الأجواء من مطر أو أزيز محركات أو غيرها. فكما أن الحوار يجب أن لايكون عالما وأكاديميا، لكن طبيعيا مسترسلا، متقطعا، ومقاطعا، غير خاضع للتناوب على من سوف يأخذ الكلمة، غامضا وغير مكتمل أحيانا بمفردات مقتضبة جدا بنبرة قوية وذات ثقة بالنفس وأخرى بإيقاع رتيب ومهدود…”.
يبدو –إذاً- أن كتابة السيناريو عملية صعبة ومعقدة تتطلب الأناة والصبر والخبرة السينمائية والدراية الأدبية من أجل إبداع عمل جيد يصلح لعمل سينمائي جيد.




* السينما الجزائرية.. إنها دون شك السينما الأكثر ثراء وإبداعاً في العالم العربي. * محمد عبيدو


قال أحد نقاد السينما الأمريكيين :

(إنها دون شك السينما الأكثر ثراء وإبداعاً في العالم العربي. لقد حازت على شهرة عالمية. وهي المنافس الوحيد للسينما المصرية).
الشهادة لصحفي من بلد هو أكبر منتج ومستهلك للسينما، عن رصيد يبدو متواضعاً من حيث عدد العناوين خلال عمر هو أقل من نصف قرن بقليل.. عن سينما كانت ولادتها أشبه بالولادة القيصرية، وتدرجها مكابدة ونضال، ومكاسبها المعنوية تألقاً عالمياً.
الواقع أنه لم يكن للسينما الجزائرية أن تنشأ وتتطور في مسار خطي مستقيم ومنتظم، فشأنها شأن المجتمع الجزائري ومؤسساته الناشئة، عرفت في مسار تاريخها القصير فترات للتألق وأخرى للأفول.
كان هناك تاريخ للسينما الجزائرية أثناء فترة الاستعمار الفرنسي، ولكن لم يكن هناك سينما جزائرية بالمعنى المفهوم حيث كان إسهام الجزائيين أنفسهم في السينما قليلاً جداً. فعلى سبيل المثال، عندما نالت الجزائر استقلالها، كان هناك ما يقرب من 300 دار عرض سينمائية في البلاد جميعها يعمل بنظام 35 ملليمتر. وكان أغلب هذه الدور في الجزائر العاصمة، ووهران اللتان يتمركز فيهما الأوربيون، وكان اهتمامها الأساسي ينصب على تلبية رغبات واحتياجات هذه الجالية التي كان معظمها من الفرنسيين فمن بين 1400 فيلم روائي طويل قامت بتوزيعها شركات جزائرية، كان هناك فقط 70 فيلماً مصرياً، وتعرضت هذه الأفلام أيضاً لضرائب أعلى من تلك المفروضة على الأفلام الأوربية أو الأمريكية.
وقبيل نهاية القرن التاسع عشر، كان الفرنسي (الجزائري المولد) فيليكس ميسجيش قد قام بتصوير عدد من المشاهد في شوارع الجزائر العاصمة، ومدينة تلمسان لصالح الفرنسي الشهير لوميير لعرضها على الجالية الأوروبية العاصمة ووهران في خريف 1886، وخلال الفترة التي تفصل الحرب العالمية الأولى عن حرب التحرير الجزائرية، تم تصوير ما يزيد على 50 فيلماً جزائرياً عن طريق شركات أجنبية، معظمها فرنسي. ولم يشترك في هذه الأفلام سوى عدد قليل جداً من الممثلين الجزائريين وفي أدوار ثانوية. وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأت السلطات الفرنسية في إنشاء جهاز لتوزيع الأفلام السينمائية في الجزائر وخاصة المناطق الريفية التي يسكنها الجزائريون لأغراض دعائية، كما أنشأت جهازاً موازياً للإنتاج السينمائي لنفس الغرض. بدأت الخطوات الأولى للسينما الجزائرية مع انطلاقة الثورة الجزائرية، ولعبت دوراً هاماً في النضال الذي خاضه الشعب من أجل تحرير الجزائر. وقد أسس جيش التحرير الجزائري أول مدرسة للتكوين السينمائي للثورة الجزائرية (بالأوراس) بالشرق الجزائري في 1957، تحت إشراف المخرج الفرنسي، وأحد أنصار جبهة التحرير الجزائرية بنفس الوقت، رينيه فوتييه، والذي أخرج في تلك الفترة فيلمه الشهير (الجزائر تحترق) عام 1959. وقد صرح روني فةتيه في كثير من المناسبات ان التحاقه بالمجاهدين على أرض المعركة نابع من إيمانه بعدالة قضيتهم من جهة و ضرورة تصوير الوجه الآخر لفرنسا الإستعمارية من جهة أخرى وقد ساهمت هذه المدرسة في إنجاز عدة أفلام وثائقية ". كما عرفت هذه الفترة إنجاز أول فيلم جزائري يصور بأرض المعركة بعنوان " الجزائر تلتهب " يتحدث عن العمليات العسكرية و حياة المجاهدين . وتمكنت السينما التحريرية من القيام بدور فعال في الثورة و ذلك بتقديم صور حية وواقعية عن أرض المعركة تؤكد ما يجري في الجزائر حيث يتعلق الأمر بمصير شعب يخوض حربا تحريرية من أجل استقلاله و كرامته . كما مكنت أيضا من إظهار الوجه الحقيقي للمستعمر الذي كان على عكس إدعاءاته يشن حربا إستنزافية حقيقية ضد الجزائريين.




إن لتزامن بداية الإنتاج السينمائي الجزائري مع ثورة شعبها على الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962) دوراً كبيراً في صياغة توجهه نحو تصدير حقائق الواقع المعاش وتسجيل الأحداث التاريخية، خاصة المتصلة منها بالثورة الجزائرية، حيث نجد أن الثورة عملت منذ البداية على تجنيد كل ما أتيح لها من الوسائل السمعية البصرية والكفاءات لتوثيق كفاح الشعب الجزائري في أفلام مادتها الأولى من نسج الواقع اليومي للثورة مثلما سجلت نشأة متميزة لـ (فن سينمائي) يرتبط ارتباطاً مباشراً بالواقع النضالي، فلم يكن للأعمال المنجزة حينذ، إلا أن تساير تاريخ الأمة بانتصاراته وتشكل جزء من ذاكرتها الجماعية.
وتشكلت النواة الأولى لمدرسة سينمائية لجيش جبهة التحرير الوطني من خلال لجنة السينما التي أنشأتها الحكومة الجزائرية المؤقتة، وتم إنتاج العديد من الأعمال الوثائقية خلال الفترة بين 1956- 1961 مثل: (اللاجئون) 1956 إخراج سييل كوجي، (هجومات منجم الونزة) 1957، (ساقية سيدي يوسف) 1958 إخراج بيا كلمو، (جزائرنا) إخراج جمال سندرلي ولخضر حامينا. كما يعتبر فيلم (ياسمينة) أول عمل للمخرج السينمائي لخضر حامينا ومن إنتاج لجنة السينما التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة. ثم تتالت بعده جملة من الأفلام القصيرة مثل (صوت الشعب) و (بنادق الحرية).
أولت الجزائر المستقلة اهتماماً كبيراً للفن السينمائي وركزت لأجل ذلك على عملية تكوين الفنيين والتقنيين في هذا المجال، وكان عدد قاعات السينما 400 قاعة تحت سيطرة الدولة. وتحديداً البلديات. وانطلاقاً من سنة 1964 تم تأسيس المركز الوطني للسينما (
CNC) والمعهد الوطني للسينما (INC). وفي 18 أثار من نفس السنة أنشىء (السينماتيك) الجزائري. لتأتي سنة 1967 ويتم حل المؤسستين المذكورتين. فتعوضان بالمركز الجزائري للسينما (CAC) والديوان الوطني للتجارة والتوزيع السينمائي (ONCIC
) الذي احتكر استيراد وتوزيع الأفلام وكان يشرف أيضاً على إنتاج الأفلام المشتركة مع الدول الأجنبية والعربية.
ومع تواجد هذه الهياكل السمعية البصرية أنتجت الجزائر خلال هذه الفترة العديد من الأفلام التي سيطر عليها الخطاب السياسي والثوري التحرري. وكان من أبرز مخرجيها لخضر حامينه، أحمد راشدي، مصطفى بديع، عمار العسكري. في فيلم " فجر المعذبين " (1965 ) مثلاً ، يعتمد أحمد راشدي على مادة أرشيفية بالغة الغنى ، وتأملات لبعض المفكرين ، تتعرض ، مع الوثائق التسجيلية ، إلى الماضي الاستعماري ، وترنو إلى المستقبل الثوري للقارة الأفريقية كما تميزت هذه المرحلة بإنتاج العديد من الأفلام المشتركة خاصة مع إيطاليا من خلال فيلم (معركة الجزائر) 1966 للمخرج جيليو بونتيكورفو الذي حصل على جائزة الأسد الذهبي لمهرجان البندقية ,عن نص هو سيرة ذاتية للمجاهد والممثل ياسيف سعدي , الذي عايش معركة الجزائر ووقائع محاصرة السلطة العسكرية الاحتلالية للفدائيين الجزائريين في قلب العاصمة الجزائر طيلة أسابيع , ليأتي الفيلم مفعما بالحرارة الدرامية والمقاربة الواقعية للأحداث . وتميز بصياغة بصرية ودرامية عالية وأضفى عليه الأسود والأبيض واقعية لصيقة بالراهن المعاش في تلك الفترة . كما تضاعف الإنتاج المشترك مع فرنسا ومصر . فنشطت حركة الإنتاج السينمائي حتى بلغ عدد الأفلام الجزائرية خلال 1966- 1974 (24) فيلماً. أبرزها:


(ريح – الأوراس) لمحمد لخضر حامينة 1966، أحد أهم أفلام تلك الفترة وأقواها تعبيراً عن الإنسان العربي بالجزائر. عبر لغته السينمائية الشفافة والشاعرية، يحكي الفيلم عن أم فلاحة اعتقل الفرنسيون ابنها فراحت تبحث عنه يبن معسكرات الاعتقال حتى تجده في إحداها فتكتفي بمتابعته بنظراتها كل يوم من خلف الأسلاك الشائكة، ولكنه عندما يختفي مرة أخرى تفقد وعيها وتلقي بنفسها على الأسلاك الشائكة التي تصقعها. هذا الفيلم حائز على:
- جائزة العمل الأول من مهرجان كان لعام 1966 - جائزة أفضل سيناريو وجائزة الكتاب السوفيت الكبرى للسيناريو في موسكو 1967 - جائزة الغزال الذهبي من مهرجان طنجة (المغرب) لعام 1968
و (الليل يخاف من الشمس) لمصطفى بديع 1966 الذي يروي مسيرة ونهاية حرب التحرير في أربع لوحات تحمل كل منها عنواناً.. كما ان العمل الدرامي المؤثر والشاعري الذي قدمه حامينا في أول أفلامه الروائية لم يمنعه عام 1968 من ان يقدم فيلما كوميديا بارزا بعنوان " حسن الطيرو " وفيه يقدم حامينا صورة مؤثرة وباطار كوميدي عن كيف تؤدي ظروف الوطن الصعبة ابان الاستعمار بموظف بسيط الى أن يصبح ثائرا على الاستعمار ودون أن يدري . و وقدم أحمد راشدي فيلم (الأفيون والعصا) 1970، الذي يعرض قصة قرية جزائرية في جميع مظاهرها أثناء المقاومة. إنها المقاومة كما يراها الذين عاشوها وتجاوبوا معها وتحملوها. يهجر الدكتور بشير الحياة المترفة إلى الجبل ، حيث مسقط رأسه ، قرية تاله التي دخلت مجال المقاومة ، تدور حلقات اللعبة القاسية والحادة التي تؤدي بسكان القرية إلى رفض نقطة من الحقيقة العميقة ، ينضم شقيق بشير أيضاً إلى المقاومة ، ويجابهان قوت الاحتلال ، يحاول ضباط الوحدات الإدارية إقامة منظماتهم بأشخاص يسيرون على هديهم .

وفي " الأفيون والعصا " يفند أحمد راشدي الفكرة الاستعمارية القائلة بأنه " إذا أردت أن تحكم شعباً فاستعمل العصا ، فإذا لم تنفع فاستعمل " الأفيون والعصا " ، فهو يقدم تجربة قرية جزائرية في جميع مظاهرها أثناء المقاومة تتعاطف مع الثوار ، وتحاول السلطات الاستعمارية أن تروضها ، لكن عبثاً ، وعندما تنسف القرية كاملة ، نشهد مسيرة أهلها نحو أعالي الجبال حيث الثوار . إنها المقاومة كما يراها الذين عاشوها وتجاوبوا معها وتحملوها وسواء في " فجر المعذبين " أو " الأفيون والعصا " ، يتمتع راشدي بحس سينمائي مرهف ، فضلاً عن أن الفيلمين يقدمان وجهات نظر وطنية لا خلاف حولها ، خاصة وأنها تتعرض للماضي أكثر من تعرضها للحاضروعندما تنطلق الملحمة تكوّن السلوك اليومي للحياة، من تصادم الإرادات المتعارضة.وقدم المخرج والممثل الراحل محمد زينات فيلمه " تحيا يا ديدو عام1971 الذي استند فيه الى نصوص شعرية بالعامية الجزائرية كتبها الممثل والشاعر الشعبي حيمود اباهيم حيث تتقاطع في ثنايا الفيلم الكثير من المقاطع الشعرية . وشاعرية اللغة السينمائية وظفها زينات بكثير من الحميمية والصدق الذي لا يخفي الكير من النقد والمراجعة للتاريخ " 

و (دورية نحو الشرق) 1971 لعمار العسكري، و (عرق أسود) 1972 لسيد علي مازيف، و (منطقة محرمة) لأحمد علام 1972. و " سنعود " لسليم رياض 1972 ..
عام 1972 كان عاما متميزا للممثل الجزائري " سيد علي كويرات " الذي شاهدناه في فيلم " عودة الابن الضال " ليوسف ساهين .. في هذا العام كان كويرات قد اختير من قبل حامينا ليلعب دور البطولة في فيلمه " ديسمبر" وهو دور أحد رجالات المقاومة الجزائرية الذي يعذب بوحشية من قبل سلطات الاستعمار بغية انتزاع معلومات منه عن خطط المقاومة .. هذا التعذيب الذي يؤدي في النهاية الى بقظة الضمير لدى أحد ضباط العدو ويجعله يعي مدى وحشية الاستعمار واستهتاره بكافة القيم الانسانية .

فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي"