الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

خطوات كتابة السيناريو:

قبل الانطلاق في كتابة السيناريو لابد من بلورة فكرة درامية صالحة للتشخيص والتمثيل السينمائي وتشكيلها في تيمة محورية مثل: الصراع بين الحب والكراهية. وبعد ذلك يلتجئ كاتب السيناريو إلى كتابة ملخص أو سينوبسيس Synopsis في صفحة إلى ثلاث صفحات. ومن خلال فكرة السيناريو، يمكن الحديث إما عن سيناريو أصيل وإما عن سيناريو مقتبس. وبعد ذلك يطوع السيناريست ما يكتبه من حوارات وحبكة سردية حسب إيقاع الشريط ( السيلولويد) وطول الفيلم ومدة عرضه في قاعة السينما.
 ويبدأ الكاتب في تحديد الجمل السينمائية أو اللقطات التي تتغير بتوقف الكاميرا، لينتقل بعد ذلك إلى ترقيم المشاهد التي تتغير بتغير الزمان والمكان والشخصيات.

وهناك من الكتاب من يراعي أثناء كتابة حوارات السيناريو مستلزمات التصوير والإخراج السينمائي، إذ يحدد المناظر والإكسسوارات وطبيعة الكاميرا وزوايا التأطير وسلم اللقطات وطبيعة الصوت والمؤثرات الموسيقية والتأشير على مدة اللقطة والمشهد والمقطع والبكرة طوال الفصول الثلاثة.

وقد قلنا سابقا: إن كاتب السيناريو لابد أن يعالج قصته الحركية معالجة درامية، حيث يطرح في الفصل الأول القضية أو المشكل، وفي الفصل الثاني يعقد الأمور والأحداث ليبلغ عبرها التعاقب السردي مداه الدرامي بطريقة جدلية تصاعدية، ليخف الصراع الجدلي في الفصل الأخير بإيجاد الحل أو نهاية للمشكلة.

وغالبا ما يستفتح السيناريو أو الفيلم بالجنيريك الذي يحدد عنوان الفيلم ويذكر جميع المشاركين الذين ساهموا في إنجازه وتحقيقه . وبعد ذلك ينبغي أن تكون الافتتاحية السينمائية جذابة مشوقة، يعقبها الصراع الجدلي الذي قد يكون شخصيا أو ثنائيا أو جماعيا، مقبولا ومؤثرا وهادفا وممتعا، لينتهي السيناريو أو الفيلم بنهاية إما مغلقة يقدم فيها حل المشكلة وإما منفتحة تترك المتفرج يتخيل الصور ويخمن الافتراضات الممكنة ويستشرف الأحداث المستقبلية ويتلذذ بخلقها وتصويرها وتخمينها.

ومن هنا، لابد أن يكون السيناريست ملما بالكتابة السردية القصصية أو الروائية أو المسرحية، وأن يلم كذلك بفن التشكيل البصري؛ لأن هناك من يرفق حوارات السيناريو بالصور التشكيلية البصرية أو بلقطات الكاميرا. كما عليه أن يكون ملما بتقنيات التصوير وأنواع الكاميرا وطرائق الإخراج وعمليات التقطيع والتركيب ( المونتاج)، فضلا عن تمكنه من لسانيات التصويت والاطلاع على أنواع الموسيقا.

وينبغي أن نعرف أن السيناريو الجيد قد يعطينا فيلما جيدا أو رديئا، بينما السيناريو الرديء لا يعطينا إلا فيلما رديئا. لذا، يعد السيناريست والمخرج من أهم الدعائم الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم الناجح.
هذا، وقد ذكر السيناريست الفرنسي المحترف جان فيري في حوار أجراه معه الأديب فرانك أو طيرو مؤلف كتاب” أحب السينما” الذي صدر سنة 1962م خطوات كتابة السيناريو قائلا:” إن أول عمل يقوم به حين يكلف بالكتابة هو إيجاد خط تتعلق به حوادث الفيلم والعمل على كتابة ملخص أو معالجة درامية تشكل فكرة عامة للموضوع، ثم بعد ذلك ينتقل إلى كتابة التتابع أي خلق سلسلة متتالية من المشاهد تجسد ماروي في القصة، وفي هذه المرحلة تبرز الشخصيات بوضوح وهي تتحرك وتتطور تطورا دراميا ، ثم تلي بعد ذلك مرحلة الحوار الذي يدور بين شخصيات القصة”.

ويعني هذا أن السيناريو يستند إلى إيجاد فكرة سينمائية عامة، وتوضيحها في ملخص عام، واللجوء إلى التعاقب وتتابع الصور التي توضح العقدة في اتساقها وانبنائها وتوازنها وتسلسلها، وكتابة الحوارات على ألسنة الشخصيات. ولكن لابد من تخطيط هندسي سينمائي وتقني لكل تمفصلات الحبكة مرسومة على الورق سيساعد المصور والمخرج والموسيقي على تنفيذ الفيلم وخلقه في أحسن صورة وأبهى حلة.
أما السينوبسيس Synopsis فيلخص لنا كل مراحل السيناريو، ويعرض غالبا في قاعة العرض أمام الجمهور إما في شكل ملخص مثبت في جنيريك الملصق، وإما في شكل صور منتقاة بدقة تبين مسار الفيلم حركيا وجدليا.

ومن المعروف أيضا أن” نسخة السيناريو تصحب مدير التصوير ومساعده، والممثلين في قراءة أدوارهم، كما أنها تشكل مرجعا أساسيا خلال عملية التوليف للحسم في اختيار أهم اللقطات من بين اختيارات أخرى. عدو السيناريو وبالتالي الفيلم، هو السرعة في المعالجة، وإغفال التفاصيل. ولعل نجاح الأفلام الأجنبية، بالإضافة لحسن أداء الممثلين والإمكانيات المادية، يتجلى في تركيز السينمائيين كتابا وتقنيين، ومخرجين على كل الجزئيات. وتجد أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة، هي التي تعطي للفيلم، في نهاية المطاف، تميزه ونكهته الخاصة. لذلك بفضل التأني في عملية ترقيم المشاهد، وتركها لآخر لحظة حتى يحس الكاتب أنه قد استنفذ كل مايريد بسطه، وحسم الأمر لصالح اختيار ما، لأن عملية تأليف المشاهد معقدة ومتداخلة، كما أنها متسلسلة. ومن الطبيعي أن تقفز لذهنه أشياء وتفاصيل، ربما تغافل عنها، أو أحب إضافتها. لذا يفضل أن يترك السيناريو لمدة ما فوق الرف، يتبادر خلالها لذهن الكاتب تنويعات ورتوشات قد تزيد من جمالية لقطة، من مصداقية حركة أو مبررات نظرة.”.

وينبغي التنبيه إلى أن كتابة السيناريو لابد أن يخضع للتوقيت كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فالمرحلة الأولى يخصص لها نصف ساعة، بينما مرحلة الصراع الأساسية يخصص لها ساعة كاملة، أما حل المشكل فيخصص له نصف ساعة كالمقدمة الافتتاحية. ويساهم هذا التقسيم في خلق التوازن وانسجام الإيقاع الهرموني للفيلم السينمائي.

ولابد عند كتابة التصوير أن يركز الكاتب على كل ماهو ممكن وكائن وأن يبتعد عن المستحيل والخارق ، و يراعي الإمكانيات المادية والمالية والبشرية، وألا يكلف المنتج ما لايطاق، وإلا سيحكم على مشروعه الفكري والفني بالفشل مسبقا.

ومن الأفضل لكاتب السيناريو من تكثيف الأحداث والابتعاد عن الوظائف الثانوية أو المجانية، ويترك التفاصيل ويقلل قدر الإمكان من الأماكن التصويرية الخارجية، ويتجنب استعمال المخترعات التقنية الحديثة الباهظة الثمن كاستخدام الدبابات والطائرات وتصوير المعارك الحربية. أي على كاتب السيناريو” أن يتذكر دائما حجم الإمكانيات التقنية والمالية لتحويل مشروعه لفيلم. كما يحاول قدر الإمكان التقليل من الانتقال من مكان إلى آخر نظرا للمصاريف التي يكلفها ذلك، مع الإمكانات التقنية والفنية التي يفرضها التصوير في مكان مظلم أو يصعب الوصول له. فلا يمكن مثلا، رصد ميزانية تصوير مشاهد من الخيال العلمي حيث الصحون الطائرة أو الطائرات المقنبلة. لاحاجة للقول: إن الفيلم الجيد يبدأ مع السيناريو الجيد، إلا أن طريقة الإخراج هي المحك النهائي، والفيصل القاطع في تدارك أخطاء الكتابة، وإضفاء مسحة إبداعية على ماكتب على الورق. غير أن هناك من التفاصيل في بناء القصة، ومواصلة التشويق، وضبط خيوط التطور الدرامي. كل يفضل أن يكون مقيدا على الورق. ومهما حاول المخرج أن يرقع ويخيط ما أمكن، فللسيناريو الكلمة الفصل.”.

زد على ذلك لابد أن تكون الحوارات مقتضبة بعيدة عن التخييل الإنشائي واستعمال البيان البلاغي الطويل المسهب. فلابد من استخدام لغة تواصلية واقعية واضحة كما اللغة التي نستعملها في الواقع اليومي بكل حمولاتها الأخلاقية أو القدحية، بشكلها المتكامل أو بشكلها المتقطع أو الغامض المبهم . أي لغة يتكلمها المجتمع ويستعملها الناس العاديون في خطاباتهم التداولية بدون بلاغة زخرفية ولافصاحة متصنعة. كما يشترط في الحوار أن يكون محدودا مختصرا مكثفا قابلا للتشخيص منطوقا أو مشخصا حركيا. ويدخل الحوار” ضمن خانة الصوت الذي يشمل كل مايسمع على الشاشة، بدءا من أبسط صوت، إلى الموسيقا التصويرية، ثم ضجيج الأجواء من مطر أو أزيز محركات أو غيرها. فكما أن الحوار يجب أن لايكون عالما وأكاديميا، لكن طبيعيا مسترسلا، متقطعا، ومقاطعا، غير خاضع للتناوب على من سوف يأخذ الكلمة، غامضا وغير مكتمل أحيانا بمفردات مقتضبة جدا بنبرة قوية وذات ثقة بالنفس وأخرى بإيقاع رتيب ومهدود…”.
يبدو –إذاً- أن كتابة السيناريو عملية صعبة ومعقدة تتطلب الأناة والصبر والخبرة السينمائية والدراية الأدبية من أجل إبداع عمل جيد يصلح لعمل سينمائي جيد.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق